جاءت القمة العربية الصينية في ظروف اقتصادية وعسكرية صعبة على جميع الدول. فماذا يا ترى كان الغرض منها في هذا التوقيت؟! فالرياض استضافت قمتين في وقتين ليسا متباعدين. أولا العربية – الأمريكية وبالأمس القريب جدا العربية – الصينية. فما غاية الرياض ودول المنطقة من هاتين القمتين؟
استضافة القمتين يعني أن المملكة العربية السعودية باتت قائدة للعمل العربي كما تتصدر المشهد السياسي للمنطقة. وهنا علينا طرح السؤال التالي: ماذا يريد العرب من الصين والولايات المتحدة؟ وفي المقابل ماذا تريد الصين والولايات المتحدة من البلدان العربية؟ وكيف يمكن تطبيق مخرجات القمتين؟
الرئيس الصيني “شي جين بينغ” طالب الدول العربية الخليجية باستخدام “بورصة شنغهاي” للبترول والغاز و”اليوان” الصيني بديلين عن بورصة الولايات المتحدة والدولار الأمريكي في التعاملات التجارية.
الصين قدمت في القمة العربية الصينية شرحا وافيا عن التعاون في مجالات العمل والاستثمار والتجارة والطاقة والفضاء والثقافة …الخ. ما يعني أن الصين تريد بناء اقتصاد متكامل يعتمد على الأموال الخليجية. وهذا يؤدي في المستقبل إلى تغيير سياسة دول الخليج تجاه أمريكا واستبدالها بالتنين الصيني.
التعامل مع الصين أفضل من أوروبا المتصارعة
الانتاج القومي الصيني السنوي يبلغ ثمانية عشر تريليون دولار. أي بمعنى أن انتاجها أكبر من انتاج الدول الأوربية مجتمعة (حوالي 16 تريليون دولار). وبالنظر لمصالح الدول فإن الدول العربية عامة والسعودية بشكل خاص تجد مستقبلها مع الصين وليس مع الصراعات الأوربية. فالرياض تسعى لبناء علاقات ثنائية وتجارية أفضل مع بكين. بتنويع صادراتها من المنتجات النفطية إلى السوق الصيني.
رغبة السعودية ليست أحادية، بل الصين أيضا تريد وبشدة التبادل التجاري والصناعي في مجال النفط ومشتقاته بما فيها الغاز. فبكين كل استيرادها النفطي وكذلك الغاز من إيران وروسيا. ما يعني إن تطلعات دول الخليج مبنية على بناء شراكة استراتيجية طويلة مع الصين. وهذا لا يعني ألّا يستبعد من دخول دولا عربية لهذا الاتفاق مثل مصر والعراق في رحلة البحث عن اقتصاد قوي مع الشراكات الاقتصادية المستقبلية. كذلك تسعى هذه الدول من الاستفادة من دور الصين في التنمية. إذ أصبحت بكين ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة في العالم.
نظرة سعودية حول القمة العربية الصينية
السعوديون ردّوا على العرض الصيني بدبلوماسية عالية. ولم يستبعدوا الموافقة عليه. إذ رد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على عرض الرئيس الصيني بقوله: إن المنافسة أمر جيد، لكن الاستقطاب ليس كذلك. وبعبارة أخرى فإن الرياض لا تريد الدخول في “تجارة مع قطب واحد”. كما لا ترغب بتغيير سياساتها الراهنة، لكنها ترى أن المنافسة بين الكبار واشنطن وبكين أمر جيد. وأنها تريد البحث عن مصالحها لا الانحياز إلى قطب دولي على حساب آخر. هذا التصريح أزال تخوفات واشنطن من صدرها. إذ كانت تعتقد الولايات المتحدة أن القمة العربية الصينية سوف تزيحها من السوق الخليجية.
رأي واشنطن حول القمة العربية الصينية
المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية “صامويل وربيرغ” أبدى رأيه حول القمة العربية الصينية في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية”. وقال: إن “الولايات المتحدة تعلم أن هناك علاقات معقدة بين جمهورية الصين الشعبية وحلفائها وشركائها في المنطقة. ونحن نحترم قدرة الدول على اتخاذ قرارات سيادية بحسب ما تصب فيه مصلحة شعوبها”.
من جهته علّق وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” على القمة بقوله: أن “الولايات المتحدة لن تجبر الحلفاء والشركاء على الاختيار “بيننا أو بينهم”، بل سنواجه هذه التحديات معا”. مضيفا: “دبلوماسيتنا تعتمد على أساس الشراكة واحترام بعضنا لمصالح البعض الآخر. كما إننا نتوقع أن تُقيّمنا كل الدول بحسب ما نقيمها نحن. وهذا يعني أن تقييمهم لنا يختلف عن تقييمهم للصين”.
هل يمكن تطبيق مخرجات القمة العربية الصينية؟
على الأقل في القريب لا يمكن لدول الخليج استخدام منصة شنغهاي للغاز والنفط. كما لا يمكنها استبدال تعاملاتها التجارية بالعملات المحلية أو حتى استبدال الدولار باليوان. فهكذا أمر بحاجة إلى تخطيط مسبق وعميق ومخاطرة. فدولة مثل الولايات المتحدة لن تتنازل عن حصصها من التجارة العالمية لصالح الصين. ولن تخسر مقعدها في سوق النفط لصالح التنين الصيني.
أما الصين فليس من مصلحتها أن تدخل في شراكات عقود نفط وغاز مع دول الخليج العربي بالدولار. إذ أن اقتصادها مرتبط بالتعاملات النفطية والغازية بعملتها اليوان. فمثلا تعاملها التجاري مع كل من روسيا وإيران بعملتها المحلية. ما يعني أن الشراكات الاقتصادية الخليجية عليها تغيير سياستها مستقبلا لتخطو خطوة كهذه مع الصين.
من جهتها فإن الولايات المتحدة ستتخذ دور المتفرج “مؤقتا” لترى كيف ستير الأمور بعد القمة العربية الصينية. فالجميع لديه علاقات قوية مع الصين ومن غير الممكن تجاهلها، فحتى واشنطن لديها علاقات تجارية مع بكين. غير أن الحكومة الأمريكية تخشى من هذا التقارب أن يصب في مصلحة إيران وروسيا كون الصين حليف مقرب من الدولتين. لكنها تعلم جيدا أن دول الخليج في صراع مستمر مع إيران وهذا ما قد يحدد نوعية العلاقة التجارية بين الخليج وبكين.