المجتمعمقالاتالمقالات السياسية

طريقة التكرار .. وسيلة لنشر الرسائل الدينية في المجتمع

طريقة التكرار إحدى طرق نقل المعلومات في مختلف العصور. باتت وسائل الإعلام تشكل تصورات المجتمعـــــات لقضية أو سلعة أو إيدلـوجية بغرض تحقيق أهداف لمالكي تلك الوسائل من غير الإعلان عنها. إذ يمكنها توظيف المعلومات التي تمــــــــــــتلكها لتجيب من خلالها على كيفية إعادة النظر والتوجهات لفكرة ما. بالإضافة إلى قدرتها على تفسير المشكلات ووضع الحلول لها بما يتناسب ومصلحة مالك الوسيلة الإعلامية.

طريقة التكرار .. طريقة فعلالة

ومن هذه الطرق التي تستخدمها وسائل الإعلام “طريقة التكرار”. فمن خلالها تُعاد الرسالة الإعلامية بنفس الصيغة أو بصيغ أخرى. لذلك نجد التكرار من أهم طرق الاتصال ونقل الرسالة الإعلامية من المرسل إلى المجتمع. من خلال إعادة الرسالة نفسها على فترات متفاوتة، أو إعادتها بوسائل مختلفة كلقاء تلفازي مع شخصية معينة، أو أغنية أو نشيد أو ملصق .. إلخ من الطرق المختلفة لنقل الأفكار.

لهذا يكون التكرار وسيلة لثبيت المعلومات في عقول الناس. مثال ذلك ما تعمد إليه وسائل الإعلام من توالي نشر موضوعات تتصل بانتصارات الشعب أو مؤامرات الاستعمار. كما يستخدم في الإعلان التجاري. ومن أجل هذا لا تكتفي سلعة من السلع في الإعلان عن نفسها مرة واحدة. لكنها تعمد لتكرار الإعلان عن نفسها بكل وسائل الإعلام، حتى تطمئن إلى أن الإعلان قد استقر في الأذهان بصورة عميقة وطويلة الأمد.

كيف يكون تأثيرها على المجتمع أو فئة معينة منه ؟

بينت دراسات آشلي 2014 Ashley وهولستي 1960 Holsti وجورج جيربنر 1968 George Gerbner، أن طريقة التكرار المضمون عبر التلفزيون لجمهور معين يخلق لديه تصورا للواقع وفق ما تزرعه الرسائل الإعلامية. ثم يعتقد هذا الجمهور أن تلك الرسائل هي الحقيقة الفعلية. للحد الذي أكدت نتائج سنوات طويلة من البحث لدى جيربنر أن الأشخاص المشتركين في تكرار مشاهدة التليفزيون يعتقدون أن التلفزيون هو تصوير دقيق من العالم الحقيقي. وأن ما يبثه هو الموجود بالفعل. بهذا تعزز وسائل الإعلام المعتقدات، وبقاء الوضع الراهن للأنظمة. ذلك لأن المشاهدين ليسوا على علم بمدى استيعاب أن ذلك تقليد أو غير حقيقي. بل وليس لديهم قدرة الرد على ما يرونه في الإعلام.

كما تشير نظرية “التعرض المتكرر” للباحث زاجونك 1968 Zajonc، إلى خطورة طريقة العرض المتكرر بوسائل الإعلام. وإن كان التعرض المتكرر ليس شرطًا لتعزيز اتجاه الفرد نحو المثير. لكن عندما يكون التعرض لكلمات مترابطة، ومتناسقة في معانيها بصورة متتالية، تحدث التهيئة المعرفية للناس. ويؤيد ذلك هاريسون 1968 Harrison، وماتلين 1970 Matlin.

استخدام الطريقة دينيا

استخدم رجال الدين بمختلف العصور بوعي منهم أو لا هذه الطريقة. فمثلا هناك شيوخ لا يزالون وفي كل يوم يذكرون اتباعهم بقصص مقتل الحسين ومظلومية فاطمة الزهراء ومقتل علي بن أبي طالب “عليهم السلام”. رغم كم المغالطات والأكاذيب الملفقة التي ترافق تلك القصص. حتى أصبحت هذه القصص ثوابت تحت مسمى “العقيدة” لتكون إرثا سابقا وحاضرا ومستقبلا. فنسمع القصص التي يلقيها الشيوخ على المنابر، من بينها قصائد عن شخصيات يقدسونها، يقرؤونها وفق نغمات معينة. ناهيك عن كم الكتب والندوات والمحاضرات الدينية.

كذلك سعى بعض رجال الدين في العراق على ترسيخ مفهوم “إيران هي من حررت ثلث العراق الذي سقط بيد الإرهاب عام 2014”. رغم التضحيات التي قدمها العراقيون. إذ تمكن الجيش العراقي رفقة أبناء شعبه بمسمى “الحشد الشعبي” من تحرير تلك الأراضي.

تكرارا لقصص يتحول تدريجيا لدستور

نسمع كثيرا ما يردده بعض رجال الدين حول حديث النبي محمد بن عبد الله : “إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وسنتي”. وينقلونه إلى اتباعهم جيلا بعد جيل. ليتحول هذا الحديث شعارا أساسيا لأحد المذاهب الدينية في العالم الإسلامي. وباتت كتب التفسير والأحاديث التابعة لهم هي الدستور الذي يسير عليه اتباع تلك المذاهب.

وعلى النقيض نجد بعض رجال الدين ينقلون نفس الحديث مع تغيير كلمة فيه “إني تارك فيك الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي”. فينقلونه لاتباعهم جيلا بعد جيل ويصير الشعار الذي بني عليه ذلك المذهب والمضاد للمذاهب الأخرى.

خصائص طريقة التكرار

ويمكنهم أيضا استخدام طريقة التكرار في إعادة تنظيم الصور الذهنية، إذ يتجه رجال الدين أحيانًا لتنظيم الصورة الذهنية لدى المتلقي بترتيبها، وتنسيق مكوناتها، وربطها ببعضها البعض، مما يجعلها أكثر فهمًا.

وهو أمر يتم بجهود مؤسسية ضخمة، فمثلا نجد المؤسسات الدينية تحاول تشويه صورة من ليس على مذهبهم أو دينهم. وهو أمر يتم بشكل ممنهج. إذ يتم إنتقاء روايات أدبية معينة لنقلها، إلى جانب تصوير مسلسلات أو أفلام لنشر حوادث وصور يختارونها بعناية وكأنها حقائق.

إن هذه الطريقة لا تخلق حالة من الملل لدى الناس المستهدفة، بل ترسخ الفكرة يوما بعد آخر وتكرارا بعد تكرار لديهم. وكلما زاد التكرار زاد اعتقاد الناس بأن هذه الرسائل هي الحقيقة المطلقة والكاملة. وكل ما سواها هو خطأ. كما إنها ومع تكرار الرسائل المراد إيصالها للناس تتشكل صورة ذهنية للمتلقي، فيبدأ يتخيل تلك الأحداث والقصص حتى وإن مضى عليها ردح من الزمن.

طريقة التكرار الأنسب لرجال الدين

فهذه الطريقة بينت للدارسين والباحثين في مجال الإعلام وخصائث المجتمع أن المجتمع لا يتذكر الأفكار البسيطة إلا إذا تكررت عشرات المرات، لهذا يتم اللجوء إلى تكرار الأفكار بصيغ مختلفة. مع الحفاظ على المضمون العام للرسالة.

ويهدف رجال الدين من استخدام هذه الطريقة إلى تغيير الصورة القائمة للمجتمعات حول قضيتهم بغض النظر عن توجهاتهم. على ارغم من كون الفرد – المجتمع قد يكون رافضا لمضمون ما يقوله الشيوخ، لكن مع استمرارية عرض الرسالة الإعلامية. وتكرار تعرض الجمهور لها، واستمرار تلقيه للرسائل، يبدأ في التشكيك في صحة الصورة الذهنية الموجودة لديه، وتحل محلها الصورة النقيضة التي خلقتها وسائل الإعلام.


زر الذهاب إلى الأعلى